الشيعة:

تعريف الشيعة

 

     يطلق لفظ الشيعة في اللغة على الأتباع والأنصار، يقال: شيعة الرجل، أي: أتباعه وأنصاره، ومنه قوله تعالى: [فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه] وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة.

     أما في الاصطلاح فالشيعة كما قال الشهرستاني: (هم الذين شايعوا عليا ـ عليه السلام ـ على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصا ووصية، إما جليا وإما خفيا، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره أو بتقية من عنده).

     وقال ابن حزم (ت456ﻫ) :( من وافق الشيعة في أن عليا ـ رضي الله عنه ـ أفضل الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأحقهم بالإمامة، وولده من بعده، فهو شيعي، وإن خالفهم فيما عدا ذلك مما اختلف فيه المسلمون) .

     يتبين من خلال هذين التعريفين أن الخلاف الجوهري بين الشيعة وغيرهم، يدور حول مسألة الإمامة، فالإمامة عند الشيعة ليست من المصالح العامة التي تفوض إلى نظر الأمة، ويتعين القائم بها بتعيينهم، بل هي ركن الدين وقاعدة الإسلام، بحيث لا يجوز للنبـي (صلى الله عليه وسلم) إغفالها ولا تفويضها إلى الأمة، بل يجب عليه تعيين الإمام لهم.

    وهكذا فالتشيع، اصطلاحا، أساسه الاعتقاد بأن عليا وذريته أحق الناس بالخلافة، وأن عليا كان أحق بها من أبي بكر وعمر وعثمان ـ رضي الله عنهم ـ وأن النبـي (صلى الله عليه وسلم) عهد بها من بعده إليه، وكان كل إمام يعهد بها لمن بعده.


 

النصوص الواردة في إمامة علي ( رضي الله عنه)

 

    أورد الشيعة نصوصا كثيرة، تثبت ـ في نظرهم ـ أن عليا هو الإمام بالنص والتعيين والوصية، وهذه النصوص منها ما هو جلي، ومنها ما هو خفي، وفيما يأتي نعرض بعض تلك النصوص:

    لما نزل قوله تعالى: [ وأنذر عشيرتك الأقربين] جمع النبـي  ( صلى الله عليه وسلم ) بني عبد المطلب وهم أربعون رجلا، وبلغهم رسالته، ثم سألهم:( من يبايعني على روحه وهو وصيي، ووليي هذا الأمر من بعدي) فلم يبايعه أحد إلا عليا.

   روي أن الإمام عليا تصدق بخاتمه على مسكين وهويصلي، فنزل فيه قوله تعالى: [ إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلواة ويؤتون الزكواة وهم راكعون].

   لما نزل قوله تعالى: [ إنما أنت منذر ولكل قوم هاد] وضع النبـي ( صلى الله عليه وسلم ) يده على صدره فقال: أنا المنذر ولكل قوم هاد، وأومأ بيده إلى منكب علي فقال: أنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون بعدي.

   حينما نزل قوله تعالى: [ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا] دعا النبـي ( صلى الله عليه وسلم )  عليا وفاطمة وحسنا وحسينا، فجللهم بكساء ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

      حينما نزل قوله تعالى: [ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته] جمع النبـي ( صلى الله عليه وسلم) الناس في غدير خم ، وأخذ بيد علي فقال : ( من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيثما دار ).

      قوله: ( صلى الله عليه وسلم) لعلي: ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبـي بعدي ).

    قوله: ( صلى الله عليه وسلم): ( إن عليا مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي).

     مما لا شك فيه أن الإمام عليا، كان خليقابكل محبة وإجلال، وبكل صورة للهيام والعشق في قلوب المسلمين، وقد كان انشودة الإسلام الكبرى، منذ مطلع الإسلام حتى مصرعه العنيف، وهو ابن عم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) وصهره، وأخوه في الإسلام، وحبه.

     وبعد وفاة النبـي( صلى الله عليه وسلم) كان الإمام علي وزيرا ومستشارا للخلفاء الذين سبقوه، ولم تكن بيعته لهم عن خوف وتردد أو تقية، وإنما عن قناعة بأن البيعة عقد شرعي سياسي واختياري بين الإمام والأمة، وأن الخلافة منصب خطير ومسؤولية عظمى، قائمة على مبدأ المشاورة، والمداولة، والمشاركة الشعبية.

     ولو كانت تلك النصوص المذكورة، وردت في تعيين الإمام علي كخليفة للمسلمين بعد النبـي ( صلى الله عليه وسلم) لم يقبل الصحابة بيعة أبي بكر، وبايعوا الإمام عليا على الفور.

    لذلك ما يفهم من تلك النصوص والروايات، هو بيان فضل الإمام علي، وعبقريته النادرة، وشجاعته الفائقة، وعلمه الواسع، وزهده وتقواه، ليقتدي به المسلمون.

   أما التصريح بالولاية له كما في بعض النصوص المذكورة، فالمقصود بها على ما نراه الولاية الروحية لا غيرها.           

 

نشأة التشيع

    اختلف الكتاب والمؤرخون حول نشأة التشيع، وتضاربت أقوالهم وآرائهم في ذلك، وفيما يأتي نشير إلى أهم الآراء:

    الرأي الأول: ظهر التشيع في زمن النبـي(صلى الله عليه وسلم) وهذا رأي معظم علماء الشيعة، قديما وحديثا، قال النوبختي(ت 300ﻫ): ( فأول الفرق الشيعة، وهم فرقة علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ المسمون شيعة علي، في زمان النبـي ( صلى الله عليه وسلم) وبعده، معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته).

    الرأي الثاني: ظهر التشيع بعد وفاة النبـي ( صلى الله عليه وسلم ) مباشرة، قال بهذا الرأي : ابن خلدون(ت 808ﻫ) والمستشرق جولد تسيهر(ت 1921م)، وبرنارد لويس، وأحمد أمين( ت 1954م)  والدكتور حسن إبراهيم حسن. يقول جولد تسيهر: ( إن التشيع نشأ بعد وفاة النبـي، وبالضبط بعد حادثة السقيفة) .

    الرأي الثالث: التشيع باعتباره عقيدة روحية، ظهر في عهد النبـي ( صلى الله عليه وسلم ) وباعتباره نزعة سياسية، ظهر بعد وفاة النبـي ( صلى الله عليه وسلم ) مباشرة. وهذا ما يفهم من كلام العالم الشيعي السيد محسن الأمين (ت 1952م)  الذي يقول: ( في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان جماعة يتشيعون لعلي، ثم ظهر التشيع له عند حدوث الاختلاف في أمر الخلافة يوم وفاة النبـي ( صلى الله عليه وسلم ).

    الرأي الرابع: ظهر التشيع أثناء مقتل الخليفة عثمان بن عفان. وهذا رأي أبي الحسين الملطي( ت 377ﻫ) وابن حزم، والمستشرق ولهاوزن، ويقول هذا الأخير: ( بمقتل عثمان انقسم الإسلام إلى حزبين، حزب علي وحزب معاوية).

    الرأي الخامس: إن التشيع تكون يوم خروج الخوارج بصفين، حين قال جماعة من أتباع علي: إننا نوالي من والاك ونعادي من عاداك، وهذا رأي المستشرق مونتكمري وات .

    الرأي السادس: ظهر التشيع بعد مقتل الإمام علي بن أبي طالب، وهذا رأي الدكتور طه حسين (ت 1973م) .

    الرأي السابع: ظهر التشيع بعد مقتل الحسين، قال بهذا الرأي كل من الدكتور علي سامي النشار(ت 1980م) والدكتور كامل مصطفى الشيبـي. يقول الدكتور الشيبـي: ( إن استقلال الاصطلاح الدال على التشيع، إنما كان بعد مقتل الحسين، حيث أصبح التشيع كيانا مميزا له طابعه الخاص) .

    الرأي الثامن: إن التشيع كمذهب فكري وسياسي لم يتكامل بنيانه إلا مع ظهور القول بنظرية النص والتعيين، وذلك في نهاية القرن الأول الهجري، وهذا رأي الدكتور عرفان عبد الحميد.

     وما نراه أن التشيع كنزعة روحية، وكولاء للإمام علي، وتقديمه على سائر الصحابة، كان موجودا في عصر النبـي( صلى الله عليه وسلم ) لدى بعض الصحابة، كسلمان الفارسي،وعمار بن ياسر، وأبي ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وأبي أيوب الأنصاري، وغيرهم، وترعرعت هذه النزعة بعد وفاة النبـي ( صلى الله عليه وسلم ).

     وكتكتل سياسي مستقل بمحتواه وبالاصطلاح الدال عليه، ظهر بعد مقتل الحسين ، أما التشيع كمذهب له أصوله، وفروعه، كغيره من المذاهب، فقد تأخر إلى عصر الإمام جعفر الصادق(ت 148ﻫ ) وتلاميذه كهشام بن الحكم، وزرارة بن الأعين، وأبي جعفر الأحول، وغيرهم .

 

 

 

 

     

الأخطاء المنهجية  في دراسة الفكرالشيعي

 

ما يلاحظ في تأريخ الفكر الاسلامي،أن كتب المقالات والدراسات الخاصة بالفرق والمذاهب الكلامية كانت- على الأغلب-من تآليف خصوم الشيعة،وتحمل هذه المؤلفات طابع التحامل على المذهب الشيعي، باعتباره مذهبا ضالا خارجا عن إجماع المسلمين، ومن الخطأ المنهجي الكبير الاعتماد على تلك المؤلفات في تصويرالفكرالشيعي، من غيرنقد وتمحيص ومقارنة  مع ما ورد في كتب الشيعة نفسها.

ومن الأخطاء التي وقع فيها الكثير من الباحثين: تصوير الفكر الشيعي من خلال آراء شاذة وضعيفة في المذهب الشيعي نفسه، لاسيما تلك الآراء التي تخالف الآراء المشهورة والظاهرة في المذهب.

ومن جهة أخرى وقع كثير من دارسي الفكر الشيعي في أخطاء كبيرة،بسبب خلطهم بين الأسماء والمصطلحات المتعلقة بالشيعة وذلك أن مصطلح(الشيعة)إذا أطلق فلا يعني الا الإمامية الاثناعشرية باعتبارها تمثل الأكثرية الغالبة من الشيعة، لكن من الدارسين من يدرج عمدا تعاليم الغلاة تحت مصطلح الشيعة، هذا باﻹضافة ٳلى خلط كتاب الفرق بين مصطلحات:الرافضة، والباطنية، واﻹمامية، والزيدية، والكيسانية،والسبأية........

ومن هنا نأتي ببعض الأمثلة على تلك الأخطاء المنهجية في دراسة الفكر الشيعي:

 قال الخياط المعتزلي (ت300ﻫ) في كتابه( الانتصار): "وأما جملة قول الرافضة فهو أن الله عزوجل ذو قد وصورة وحد، يتحرك ويسكن، يدنو ويبعد،يخف ويثقل".

وقال الأسفرايني(ت471ﻫ) في كتابه (التبصير في الدين): "واعلم أن جميع من ذكرناهم من فرق اﻹمامية، متفقون على تكفير الصحابة، ويدعون أن القرآن قد غير عما كان ووقع فيه الزيادة والنقصان من قبل الصحابة، ويزعمون أنه قدكان فيه النص على إمامة علي، فأ سقطه الصحابة عنه، ويزعمون أنه لا اعتماد على القرآن الآن، ولا على شيء من الأخبار المروية عن المصطفى (صلى الله عليه وسلم) ويزعمون أنه لا اعتماد على الشريعة التي في أيدي المسلمين، و ينتظرون إماما يسمونه المهدي، يخرج و يعلمهم الشريعة، وليسوا في الحال على شيء من الدين".

وقال ابن العربي( ت 543ﻫ) في كتابه ( العواصم من القواصم): " وهذه حقيقة مذهبهم، أن الكل عندهم كفرة، لأن من مذهبهم التكفير بالذنوب، وكذلك تقول هذه الطائفة التي تسمى بالإمامية: إن كل عاص بكبيرة كافر". 

        ويقول جولدتسهير(ت1921م)في كتابه( العقيدة والشريعة): "إن الشيعة كانت على وجه الدقة المنطقة التي نبتت فيها جراثيم السخافات التي حللت وقضت على نظرية الألوهية في الاسلام".

        ويقول أحمدأمين(ت1954م) في (فجر الإسلام): "والحق أن التشيع كان مأوى يلجأ إليه كل من أراد هدم الاسلام لعداوة أو حقد، ومن كان يريد إدخال تعاليم آبائه، من يهودية ونصرانية وزرادشتية وهندية، ومن كان يريد استقلال بلاده والخروج على مملكته، كل هؤلاء كانوا يتخذون حب أهل البيت شعارا يضعون وراءه كل ما شاءت أهواؤهم".

وهناك نقطة أخرى، لاتقل أهميتها عما سبق، وهي أن معظم كتاب الفرق والمقالات  نسبوا القول بتحريف القرآن إلى الشيعة، وتبع هؤلاء الكتاب جمع غفير من الباحثين والدارسين للفكر الشيعي.

ولزيادة التوضيح نأتي بأقوال بعض علماء الشيعة حول الأمور المتقدمة:

 قال ابن بابويه القمي(ت381ﻫ) في كتابه (عقائد الشيعة اﻹمامية): "اعتقادنا في التوحيد أن الله واحد ليس كمثله شيء، قديم لم يزل، ولا يزال سميعًا، بصيرًا، حكيمًا، حيًّا، قيومًا، عزيزًا، قدوسًا، عالماً، قادرًا، لايوصف بجوهر ولاجسم ولا صورة ولا عرض ........ خارج عن الحدين، حد اﻹبطال وحد التشبيه".

وقال في موضع آخر من كتابه المذكور:  "ومن قال بالتشبيه فهو مشرك، ومن نسب إلى الإمامية غير ما وصف في التوحيد فهو كاذب".

وقال الشيخ المفيد(ت413ﻫ) في كتابه (أوائل المقالات): "إن الله عزوجل واحد في اﻹلهية والأزلية، لايشبهه شيء ولايجوز أن يماثله شيء" وقال : (( واتفقت الإمامية على أن مرتكب الكبيرة من أهل المعرفة والإقرار لا يخرج بذلك عن الإسلام ، وأنه مسلم وإن كان فاسقا بما فعله من الكبائر والآثام"

ويقول الشيخ محمد رضا المظفر(ت1964م) في كتابه(عقائد اﻹمامية): "نعتقد أن الله تعالى واحد أحد ليس كمثله شيء، قديم لم يزل ولايزال، هو الأول والآخر، عليم حكيم عادل حي قادر غني سميع بصير لايوصف بما توصف به المخلوقات، فليس هو بجسم ولا صورة، وليس جوهرا ولا عرضا، وليس له ثقل أو خفة، ولاحركة أوسكون، ولا مكان ولا زمان، ولا يشار إليه،كما لاندّ له،ولا شبه،ولاضد،ولا صاحبة له،ولاولد،ولاشريك، ولم يكن له كفوا أحد، لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار".

أما ما يتعلق بتحريف القرآن الذي اشتهر في الأوساط السنية نسبة القول به إلى الإمامية جميعا، فهذا خطأ كبير واتهام خطير، وسنوضح هذه المسألة بشيء من التفصيل:

إن مفهوم ( التحريف ) كما بينه علماء الشيعة، يطلق ويقصد به عدة معان :

 المخالفة في ترتيب السور، فعلى زعم الشيعة وبعض علماء السنة كتب اﻹمام علي مصحفا حسب ترتيب النزول.

التفسير المخالف لتفسيراﻹمام، أو التأويل المخالف لتأويل اﻹمام.

النسخ تلاوة دون الحكم،أو تلاوة وحكما .

اختلاف القراء

         الزيادة والنقصان.

 وعلى هذا فلا ٳشكال ولاغرابة في القول بالتحريف على المعاني الأربعة الأولى أماالتحريف بالمعنى الخامس فلم يقل به الا قلة من علماء الشيعة) كالفيض الكاشاني(ت 1091ﻫ) في(التفسير الصافي) والسيد هاشم البحراني (ت 1107ﻫ) في كتابه (مقدمة البرهان) والملا باقر المجلسي ( ت1112ﻫ) في كتابه (مرآة العقول)  (ونعمة الله الجزائري (ت1112ﻫ) في كتابه ( الأنوار النعمانية)  والنوري الطبرسي(ت1920م) في كتابه(فصل الخطاب في ٳثبات تحريف كتاب رب الأرباب) معتمدين على بعض الروايات عن الكليني(ت 329ﻫ)وكثير من الروايات السنية في أبواب النسخ.

  ورفض هذا القول جماهير علماء الشيعة، من المتقدمين والمتأخرين، واعتبروه من الأقوال الشاذة والضعيفة.

وفي بيان اعتقاد  الشيعة  حول  القرآن قال ابن بابويه القمي في ( اعتقادات الصدوق): "اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ هو ما بين الدفتين   وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك، ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربعة عشر سورة ، ومن نسب إلينا أنا نقول أكثر من ذلك فهو كاذب".

وقال الطبرسي(ت 548ﻫ)في تفسيره( مجمع البيان): " فأما الزيادة فيه فمجمع على بطلانها، وأما النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا ، وقوم من الحشوية العامة، أن في القرآن تغييرا ونقصا، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه".

        ويقول  الشيخ  محمد  الحسين  كاشف  الغطاء (ت1954م) في كتابه (أصل الشيعة وأصولها): "إن الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هوالكتاب الذي أنزله الله للإعجاز والتحدي، ولتعليم الأحكام، وتمييز الحلال من الحرام، وأنه لانقص فيه ولا تحريف ولازيادة، وعلى هذا إجماعهم ، ومن ذهب منهم أومن غيرهم من فرق المسلمين إلى وجود نقص فيه أو تحريف فهو مخطيء".

ويقول السيد الخوئي (ت1992م) في كتابه (البيان في تفسير القرآن): "المعروف بين المسلمين عدم وقوع التحريف في القرآن، وأن الموجود بأيدينا هو جميع القرآن المنزل على النبي الأعظم ( صلى الله عليه وسلم) وقد صرح بذلك كثير من الأعلام".

ومن كبار العلماء الذين صرحوا بعدم التحريف، ورفضوا القول بالتحريف: النوبختي (ت300ﻫ) والشيخ المفيد(ت 413ﻫ)في كثير من مؤلفاته،وشيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي(ت460ﻫ)، وصرح بذلك في أول تفسيره (التبيان) ونقل القول بذلك أيضا عن شيخه:علم الهدى السيد المرتضى(ت 436ﻫ) واستدلاله على ذلك بأتم دليل.ومنهم:المفسر الشهير الطبرسي(ت 548ﻫ) في مقدمة تفسيره (مجمع البيان) ومنهم:شيخ الفقهاء المحقق الحلي(ت676ﻫ) والعلامة الحلي(ت 726ﻫ) والمحدث الشهيرالمولى محسن القاساني(ت 1080ﻫ)  في كتابيه (الوافي) و (علم اليقين). والشيخ جعفركاشف الغطاء(ت 1228ﻫ) في بحث القرآن من كتابه(كشف الغطاء) وادعى اﻹجماع على ذلك.ومنهم:العلامة الجليل الشهشهاني في بحث القرآن من كتابه (العروة الوثقى) كذلك نسب القول بعدم التحريف إلى جمهورالمجتهدين.ومنهم: الشيخ المجاهد محمد  جواد البلاغي( ت1933م) في مقدمة  تفسيره (آلاء الرحمن).والسيد شرف الدين الموسوي( ت1957م) في كتابه( الفصول المهمة في تأليف الأمة).

ومن القائلين بنفي التحريف الخميني في كتابه(تهذيب الأصول) وعلي آل محسن في  (الرد الوجيز)  والطباطبائي في( تفسير الميزان) والسيد علي الميلاني في( التحقيق في نفي التحريف عن القرآن) وفتح الله المحمدي في ( صيانة القرآن عن التحريف) وفارس الحسون في ( عدم تحريف القرآن) ورحمة الله الهندي في ( إظهار الحق) وعلي السيستاني في كثير من مؤلفاته ورسائله، وعلي الخامنئي في بعض رسائله وفتاواه وغيرهم .   

 

فرق الشيعة

      تكلم كل من النوبختي (ت300ﻫ) والأشعري (ت324ﻫ)  والملطي (ت377ﻫ) والبغدادي (ت429ﻫ) والأسفرايني (ت471ﻫ) والشهرستاني (ت548ﻫ) وفخرالدين الرازي (ت606ﻫ) وابن تيمية(ت728ﻫ) وعضدالدين الإيجي (ت756ﻫ) وغيرهم عن فرق الشيعة ،مع ذلك لم يتفق اثنان منهم على عدد الفرق ،بل أتى كل منهم برقم مخالف للآخر،وبعضهم سمى فرقا بأسماء أشخاص دون أن يكون لأحد هؤلاء الأشخاص أتباع وتلامذة في الواقع، حتى يكون له مذهب أو فرقة معينة، لذلك لايستبعد أن يكون لشخص شيعي ما، رأي مخالف للأراء المألوفة،وبسبب ذلك سميت فرقة باسمه.

     واليوم لانجد لفرق الشيعة أثرا سوى الإمامية الاثني عشرية، والزيدية، والإسماعيلية، إضافة إلى بعض آثار الغلاة لدى فرق معاصرة، لذلك سنقتصر الكلام على هذه الفرق دون غيرها.

 

     1ـ الشيعة الإمامية الاثناعشرية(الجعفرية):

    هذه الفرقة تؤلف اليوم الأكثرية الساحقة من الشيعة، وكلما أطلق لفظ الشيعة فالمقصود به الإمامية،وسموا بذلك لأنهم جعلوا من الإمامة القضية الأساسية التي تشغلهم،أوبتعبير آخر قالوا بوجوب الإمامة ووجودها في كل زمان.

     وكذلك سموا بالاثني عشرية لأنهم قالوا باثني عشرإماما على الترتيب الآتي:

      الإمام علي بن أبي طالب (ت40ﻫ)

      الإمام المجتبى الحسن بن علي (ت50ﻫ)

      الإمام الشهيد الحسين بن علي(ت61ﻫ)

      الإمام السجاد علي زين العابدين بن الحسين(ت95ﻫ)

      الإمام الباقر محمد بن علي زين العابدين (ت114ﻫ)

     الإمام الصادق جعفر بن محمد الباقر (ت 148ﻫ)

      الإمام الكاظم موسى بن جعفر الصادق(ت 183ﻫ)

       الإمام الرضا علي بن موسى الكاظم (ت203ﻫ)

      الإمام التقي محمد الجواد بن علي الرضا(ت220ﻫ)

    10ـ الإمام النقي علي الهادي بن محمد الجواد(ت254ﻫ)

    11ـ الإمام الزكي الحسن العسكري بن علي الهادي (ت260ﻫ)

    12ـ الإمام الحجة القائم المنتظر، محمد المهدي بن الحسن العسكري(ولد سنة 256ﻫ)

     وسموا بالجعفرية نسبة إلى الإمام جعفر الصادق الذي ينتهي إليه معظم معارف الشيعة في الأصول والفروع.ويستعمل كثيرا مصطلح الجعفرية كمذهب فقهي مقابل المذاهب الأربعة.

 

                                    عقائد الشيعة الإمامية

 

   توافق الشيعة الإمامية جمهور المسلمين في كليات العقيدة الإسلامية، كالإيمان بالله، وملئكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وغيرذلك.أما في المسائل الجزئية وشروح الكليات،فالشيعة توافق المعتزلة في بعض المسائل ،وتتفق مع الأشاعرة في مسائل أخرى، إضافة إلى آراء ومسائل، انفردت بها عن جميع الفرق الإسلامية.

     واتفق علماء الإمامية على أن أصول العقائد عبارة عن خمسة أصول:

   1ـ التوحيد: وهو الاعتقاد بأن الله واحد لا شريك له في وجوب الوجود لذاته، ولاشريك له في ربوبيته، ولانظيرله في صفاته،وهوالمستقل بالخلق والرزق والإيجاد والإعدام،ولامؤثر في الوجود إلا الله، ولاتجوز العبادة إلا لله وحده .

    2ـ النبوة: النبوة وظيفة إلهية، يخص الله بها من يشاء من عباده، وهي لطف من الله لعباده، والواجب على المسلم هو الإيمان بجميع الأنبياء الذين نص عليهم القرآن الكريم، وهم رسل من الله، وعباد مكرمون، بعثوا لدعوة الخلق إلى الحق،وأن محمدا خاتم الأنبياء والمرسلين،وأنه معصوم من الخطأ والخطيئة، وما ارتكب المعصية مدة عمره، وأن الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه بواسطة جبريل، للإعجاز والتحدي، ولتعليم الأحكام، ولتمييزالحلال من الحرام .

    3ـ العدل: وهو الاعتقاد بأن الله سبحانه وتعالى عادل في شؤون عباده، ولا يظلم أحدا، ولايفعل ما يستقبحه العقل السليم، ولا يكلف عباده مالايطيقون، وأنه تعالى يثيب على الحسنة ويعاقب على السيئة،وأنه منزه عن الظلم، والجور،وفعل ماهوقبيح.

     4ـ الإمامة: وهي رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص من الأشخاص نيابة عن النبـي (صلى الله عليه وسلم) وهي منصب إلهي كالنبوة، فكما أن الله سبحانه يختار من يشاء من عباده للنبوة والرسالة، فكذلك يختار للإمامة من يشاء، ويأمر نبيه بالنص عليه، وأن ينصبه إماما للناس من بعده للقيام بالوظائف التي كان على النبي أن يقوم بها، سوى أن الإمام لا يوحى إليه كالنبـي، وإنما يتلقى الأحكام منه مع تسديد إلهي، فالنبـي مبلغ عن الله، والإمام مبلغ عن النبـي.

     5ـ المعاد: معناه أن الله سبحانه يعيد الخلائق ويحييهم بعد موتهم بأجسامهم، وأرواحهم وعلى صورهم التي كانوا عليها في الدنيا، للحساب والجزاء.

       وماتجدرالإشارة إليه أن الأصول الثلاثة(التوحيد، النبوة، المعاد) من الأصول الرئيسية المتفق عليها بين جميع الفرق الإسلامية، ويدخل ضمن أصل(النبوة)الإيمان بالملئكة والكتب السماوية، وعلى هذا فمن دان بهذه الأصول يعتبرمؤمنا،ومن أنكرها يعتبركافرا.

       أما أصل (العدل) الذي يقول به كل من الشيعة والمعتزلة فهو راجع في الحقيقة إلى أصل (التوحيد)، كذلك (الإمامة) يمكن أن نعتبرها أصلا مذهبيا من أصول التشيع، كما عليه المحققون من علماء الإمامية، بمعنى أن من أنكرها لايكون شيعيا، لاأنه لايكون مؤمنا ولامسلما.

      يقول الشيخ يوسف البحراني في كتابه ( الشهاب الثاقب) : " اعلم أنه قد اشتهر بين جملة من متاخري أصحابنا، تقسيم الضروري إلى: ضروري الدين وضروري المذهب، ومرادهم بضروري الدين هو ما أجمعت عليه الأمة، كالصلاة والزكاة والحج ونحوها، وضروري المذهب، هو ما اختصت ضروريته بأهل مذهب مخصوص من تلك الأمة، كتحريم المسح على الخفين، وتحليل المتعتين، ونحوها مما علم ضروريته من مذهب أهل البيت خاصة، قالوا: والكفر إنما يلزم إنكار الأول دون الثاني، ومسألة الإمامة إنما هي من قبيل الثاني دون الأول، فإنكارها لا يستلزم الكفر ".

     ويقول الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء في ( أصل الشيعة وأصولها) : " فمن اعتقد بالإمامة بالمعنى الذي ذكرناه، فهو عندهم مؤمن بالمعنى الأخص، وإذا اقتصر على الأركان الأربعة ( اي بدون ركن الإمامة) فهو مسلم ومؤمن بالمعنى الأعم ، تترتب عليه جميع أحكام الإسلام من حرمة دمه وماله وعرضه، ووجوب حفظهوحرمة غيبته وغيرذلك، لا أنه بعدم الاعتقاد بالإمامة يخرج عن كونه مسلما  ـ  معاذ الله ـ ".

       إضافة إلى ماتقدم فقد أشار بعض كتاب الفرق من أهل السنة، وعدد من المستشرقين إلى أن الشيعة اقتبسوا من المعتزلة أصول الكلام وأساليبه، حتى قال بعضهم:إن الشيعة من حيث العقيدة والمذهب هم ورثة المعتزلة.

       في حين يرى بعض الباحثين ،أن واصل بن العطاء شيخ المعتزلة ومؤسسها الأول كان تلميذا لمحمد بن الحنفية، وتأثر بأفكاره وتعاليمه، بحيث أخذ الاعتزال عنه.

       وما نراه أن وجود مشابهة في الآراء بين مذهبين، لايعني أن أحدهما أخذ تعاليمه كليا وبإطلاق عن الآخر، فالشيعة توافق المعتزلة في بعض القضايا، لقربها إلى المعقول وبعدها عن التشبيه والحلول،كقضية الصفات الإلهية، ونفي رؤية الله، وقاعدة العدل، و اللطف، ومسألة الحسن والقبح العقليين، ومسألة القضاء والقدر، وخلق القرآن......،خلافا للمحدثين منهم في هذين الأخيرين.

       وفي الوقت ذاته تخالف الشيعة المعتزلة في مسائل عديدة:كقاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،وفي وجود الجنة والنار،ومسألة مرتكب الكبائر، والشفاعة، والصرفة، وفي قضية الإمامة ومايتفرع عنها من القول بالنص والتعيين،والعصمة، والرجعة، والتقية..........

       مع ذلك لاينكرتأثر الشيعة بمنهج المعتزلة العقلي، لاسيما في القرن الرابع الهجري، حينما انقلب بعض شيوخ المعتزلة شيعة، وشاركوا في بنيان الفكر الشيعي الكلامي.

       أما كون واصل بن العطاء تلميذا لمحمد بن الحنفية،ومتأثرا بآرائه، فهذا لايعني أن المعتزلة ورثة الشيعة، من المعلوم أن الشيعة في عصر ابن الحنفية كانت اتجاها سياسيا، أكثر من كونها مذهبا فكريا منظما، ولو قلنا بتأثير ابن الحنفية على واصل تأثيرا فكريا، كان ذلك من قبيل التأثير الفردي لا غيره . 

مسائل تتعلق بالإمامة

         تختلف الشيعة عن سائر فرق المسلمين في مسألة الإمامة، وهي عندهم ركن من أركان الدين، وقاعدة من قواعد  الإسلام الأساسية .

         ومن هذا المنطلق بذل علماء الشيعة، قديما وحديثا، أقصى جهودهم في بيان شرعية الإمامة على الكيفية التي آمنوا بها، واستدلوا عليها بالقرآن والسنة والإجماع والمعقول واللامعقول، وأتوا بصياغة جملة قواعد ونظريات، لتثبيت دعائمها وتعظيمها في وجوه الناقدين والمشككين حولها من المسلمين وغيرهم، منها:

       1ـ نظرية النص والتعيين:يقصد بهذه النظرية، أن تعيين الإمام يكون بالنص من الله تعالى على لسان نبيه(صلى الله عليه وسلم)وقد نص النبي (صلى الله عليه وسلم)على إمامة علي بنصوص جلية وخفية، ثم إن عليا أوصى لولده الحسن، وأوصى الحسن أخاه الحسين، وهكذا إلى الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر.

       2ـ نظرية العصمة:العصمة هي لطف من الله تعالى يحمل الشخص(المعصوم)على فعل الخير، ويزجره عن فعل الشر مع بقاء الاختيار.

       هذه الصفة ثابتة للأنبياء فقط عند جماهير المسلمين، أما عند الشيعة فهي ثابتة للأنبياء والأئمة من بعدهم، وجاء في بعض كتبهم:إن الأئمة كالأنبياء في وجوب عصمتهم عن جميع القبائح والفواحش من الصغر حتى الموت، عمدا وسهوا، لأنهم حفظة الشرع والقوامون به.

      والجدير بالإشارة أن القول بعصمة الأئمة يهدف إلى تحقيق ثلاثة أغراض رئيسية:

      الأول: إثبات نظرية النص والتعيين وتقويتها.

      الثاني: إبطال شرعية خلافة أبي بكروعمر وعثمان باعتبار أنهم لم يكونوا معصومين .

      الثالث:تقريب منزلة الإمامة من منزلة النبوة، وإثبات القول بأن مخالفة الإمام كمخالفة النبـي (صلى الله عليه وسلم) .

       3ـ نظرية الغيبة والرجعة: أجمعت الشيعة الإمامية على أن إمامهم الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري هو الإمام المهدي المنتظر، الذي ولد سنة (256ﻫ ) وحجبه الله تعالى عن عيون الناس، عند وفاة أبيه الحسن العسكري سنة (260ﻫ )وهو لايزال حيا موجودا، إلا أنه غائب عن الأبصار، وأنه سيعود في آخر الزمان عندما يأذن الله له بالخروج، وسيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وظلما، وسيلي أمر الناس ثلاثين أو أربعين سنة.

       4ـ نظرية التقية: من الأمور الأخرى التي اتصلت بالإمامة عند الشيعة التقية، وهي كتمان الحق وستر الاعتقاد فيه، ومكاتمة المخالفين، وترك مظاهرتهم بما يعقب ضررا في الدين أو الدنيا.

         والتقية عند الشيعة تكون فرضا في حالات، وتجوز أحيانا من غير فرض ووجوب، كما تكون في أوقات إثباتها أفضل من تركها، ويكون تركها أفضل .

يقول الشيخ المفيد (ت413ﻫ ) : "إنها جائزة في الدين عند الخوف على النفس ، وقد تجوز في حال دون حال للخوف على المال ولضروب من الاستصلاح، وكما انها جائزة في الأقوال كلها عند الضرورة، ولا يجوز من الأفعال في قتل المؤمنين، ولا فيما يعلم أو يغلب أنه استفساد في الدين " .

وتعد التقية من المباديء الأساسية لدى الشيعة الإمامية، فرضتها الظروف السياسية وما صاحبها من اضطهاد الشيعة وتصفيتهم جسديا من قبل الحكام والسلاطين، لذلك لجأوا إليها حفظا لأرواحهم واعتقاداتهم .

ومن ناحية أخرى حاول علماء الشيعة من خلال مبدأ التقية تجاوز بعض التناقضات التي وقعوا فيها في مسألة الإمامة، ومن أهمها:

أ ـ إن القول بإمام معصوم عن الخطأ، معين بنص إلهي قطعي الثبوت، ثم سكوت هذا الإمام عن المطالبة بحقه، بل اعترافه بسلطان من سبقوه في الإمامة والرياسة، يشكل تناقضا واضحا لايمكن تجاوزه إلا عن طريق القول بالتقية .

ب ـ تجاوز ما قد يبدو من تناقض في الأقوال والأفعال التي نسبتها المصادر إلى الأئمة باعتبار أنها ليست تضاربا واختلافا في الرأي، مما لايجوز وقوعه من إمام معصوم لا يخطأ، وإنما هي أقوال صدرت في مناسبات كانت بعضها حالات تقية وكتمان للحق صونا للنفس وحذرا من المهالك .

 

الفقه الإمامي ( الجعفري )

       لم يكن للشيعة الإمامية مصادر فقهية وأصولية مستقلة حتى أواخر القرن الرابع الهجري وكانوا يعتمدون ـ في تفصيلات التشريع ـ على الروايات المنقولة عن الأئمة ، المدونة في الكتب الروائية، ثم أخذت تتسع شيئا فشيئا، فظهرت كتب فقهية مستقلة ، ومبوبة،، واستدلالية، مبتنية على القواعد العامة .

        وممن كان له الأثر الكبير في هذه المحاولة: الشيخ المفيد(ت 413ﻫ ) وتلميذه علم الهدى السيد المرتضى(ت 436ﻫ ) وشيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي(ت 460ﻫ ) ويعد هذا الأخير من أكثرهم جهدا في هذه العملية، فقد ألف عدة كتب فقهية، منها:الخلاف، النهاية، المبسوط.......

        وفي الوقت ذاته كانت القواعد الأصولية مبثوثة في الكتب الروائية، وتذكر حسب الحاجة إليها، لكن سرعان ما ألتفت إلى ضرورة استخراجها بشكل منفصل، فقد ألف السيد المرتضى كتابه الشهير (الذريعة إلى أصول الشريعة) وألف الطوسي (عدة الأصول) وقد بحثا فيهما عن أمهات القواعد الأصولية .

        وبعد جهود هؤلاء، بدأ الفقه الشيعي يتطور، وينمو، وتتسع دائرته على أيدي علماء كبار أمثال: ابن حمزة الطوسي(ت 560ﻫ ) والمحقق الحلي(ت676ﻫ ) والعلامة الحلي(ت 726ﻫ ) والشهيد الأول(ت 786ﻫ ) والشهيد الثاني(ت 966ﻫ ) وغيرهم .

        ومما تجدر الإشارة إليه أن مصادر التشريع لدى الإمامية تتمثل في أربعة أمور، هي :

       1- القرآن الكريم: وهو الكتاب الذي بين أيدينا، المنزل على محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)    

       2- السنة : وهي عبارة عن قول النبـي(صلى الله عليه وسلم) أو الإمام أو فعلهما أو تقريرهما. ولدى الشيعة الكتب الأربعة في الحديث ـ كما عند أهل السنة الصحاح الستة ـ وهي:

        أ - الكافي لأبي جعفر الكليني(ت329ﻫ ) .

        ب - من لايحضره الفقيه لابن بابويه القمي المعروف بالصدوق(ت381ﻫ ) .

        ج -  تهذيب الأحكام لأبي جعفر الطوسي .

        د -  الاستبصار فيما اختلف من الأخبار لأبي جعفر الطوسي.

        3- الإجماع: وهو مصدر تشريعي حينما اعتبر كاشفا عن رأي المعصوم .

        4- العقل القطعي: يقصد به كل ما حكم به العقل حكما قطعيا .

        وعلى هذا فالمذهب الإمامي لم يرفض الأحكام العقلية كليا، بل رفض الأحكام العقلية الناقصة فقط،  التي لم يقم عليها دليل قطعي، والشاهد على ذلك أنهم حينما خاضوا المعركة التي أثيرت بين المعتزلة والأشاعرة في التحسين والتقبيح العقليين ، صاروا بجنب المعتزلة، وأكدوا على وجود الحسن والقبح العقليين، وأن هناك حقائق يعتبرها العقل حسنة، وحقائق أخرى يعتبرها قبيحة، وهذا الجانب هو الجانب المهم في الاجتهاد الشيعي، حيث جعله يساير الزمن من دون تحريف أو تشريع أحكام جدد، لاتستند إلى أساس شرعي.

       ومن هذا المنطلق  فقد منع معظم علماء الشيعة العمل بالرأي والقياس والاستحسان ، وأن عالما كبيرا مثل ابن الجنيد(ت 381ﻫ ) تركت تصانيفه لنسبة العمل بالقياس إليه

       وفي إبان القرن الحادي عشر للهجرة ظهرت محاولة جديدة في صفوف علماء الشيعة لمنع تدخل العقل في استنباط الأحكام الشرعية، سميت فيما بعد باتجاه الأخباريين أو موجة الأخباريين وكان الداعي لهذه المحاولة: محمد أمين الاسترآبادي (ت 1033ﻫ ) الذي كان يعيش برهة من الزمن في مدينة الرسول(صلى الله عليه وسلم) فألف فيها كتابه : (الفوائد المدنية ) وفيها حمل حملة شعواء على من استعمل العقل في استنباط الأحكام الشرعية، كما رفض الإجماع بدعوى أنه من مبتدعات العامة، وقال: إن الروايات الواردة عن الأئمة كثيرة جدا بحيث يستغني معها الفقيه عن العقل .

      ومن العلماء الذين نهجواهذا المنهج تقريبا: السيد نعمة الله الجزائري(ت1112ﻫ )والشيخ     يوسف البحراني(ت 1186ﻫ  ) وملا محسن الفيض الكاشاني(ت 1091ﻫ ) والشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي(ت 1104ﻫ  ) وغيرهم،  وأن هؤلاء لم يكونوا بتلك الحدة والشدة التي عليها الاسترآبادي،  بل كانوا أقل وطأة منه .         

       والجدير بالذكرأن هذه الطريقة كانت امتدادا لسيرة الفقهاء في زمن الغيبة الصغرى وما قبلها،حيث كان الفقهاء يعتمدون على الأحاديث ويرفضون الاجتهاد .

      واستمرت هذه الفكرة حتى القرن الثالث عشر فوصلت إلى ذروتها، ولكنها أخذت تنهار بعد أن وقف أمامهاالعالم الكبير المولى محمد باقر البهبهاني(ت 1205ﻫ  ) ومن بعده الشيخ مرتضى الأنصاري (ت 1281ﻫ  ) ، واليوم لانجد للاتجاه الأخباري دورا يذكر قياسا إلى الأصوليين الذين استحوذوا على الساحة الشيعية، وتصدوا لقيادة جماهير الشيعة في العالم .

       وتنتشر الشيعة الإمامية حاليا في كل من إيران، والعراق، وأفغانستان، والباكستان، ولبنان وآذربايجان، وسورية، والكويت، والبحرين، ومناطق أخرى، وجعل نظام الحكم في إيران منذ ثورة الإمام الخميني في أواخر السبعينات من القرن المنصرم المذهب الإمامي مذهبا رسميا له في قوانينه وسياساته إلى يومنا هذا .

         ونختم الكلام هنا بعرض موجز لنماذج من الفقه الشيعي:

         وجوب المسح على الرجلين في الوضوء استنادا إلى قوله تعالى (يأيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلواة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين). وذلك بقراءة الجر في (وأرجلكم) عطفا على (برءوسكم).

         إرسال اليدين في الصلاة في حال القيام وعدم جواز وضع اليمنى على اليسرى ولا اليسرى على اليمنى كما نقل عن الأئمة .

         وجوب قصر الصلاة للمسافر ، كذلك وجوب الإفطار له في رمضان استنادا إلى الأمر القرآني والنقول عن الأئمة .

        وجوب الإشهاد في الطلاق ، وعدم وقوع طلاق بلا شاهدين .

         وجوب الخمس في غنائم الحرب، وفي المعادن، والكنوز، والغوص، وأرباح المكاسب، والحلال المختلط بالحرام، وفي أرض الذمي المنتقلة إليه من مسلم .

       إباحة نكاح المتعة ، وهو عقد الرجل على امرأة لمدة معلومة وبمهر معلوم .

        رفض نظام التعصيب في الميراث ، لمخالفته لمفهوم الآيات القرآنية ، التي تقرر المساواة بين الذكور والإناث في استحقاق الإرث.

 

2ـ الشيعة الزيدية

        هم أتباع الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وكان زيد رجلا تقيا ورعا عالما فقيها، فاضلا شجاعا، ملما بكتاب الله وسنة رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) تلقى الفقه والحديث عن أبيه وأخيه الأكبر محمد الباقر في المدينة، ثم خرج منها إلى العراق، وهنالك في البصرة اتصل بواصل بن عطاء شيخ المعتزلة، وتتلمذ عليه فتأثر به وبأفكاره ، وقيل إن الإمام زيدا لم يتتلمذ على واصل وإنما ذاكره في آرائه، وزامله فيها .

       وقد تعرض الإمام زيد وأهل بيته لأفظع الإهانات من قبل الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك وبعض عماله ، لذلك دعا الإمام إلى الخروج على الخليفة ، وفي سنة (121ﻫ ) بويع له بالكوفة، واتفق مع زعماء أصحابه على أن يكون خروجه في مستهل صفر سنة (122ﻫ ).

         وفي الموعد المحدد خرج الإمام بخمسة عشر ألف رجل من أهل الكوفة ونواحيها، واستعد لمواجهة جيش والي العراق يوسف بن عمر، لكن أهل الكوفة ما إن رأوا الشدة حتى أخذوا يتجادلون ويتناقشون، وأخيرا غدروا بالإمام وتخلوا عنه وخذلوه عندما علموا بأنه لا يتبرأ من الشيخين أبي بكر وعمر، بل أقر بإمامتهما، وبقي زيد في شرذمة، فقاتل بشجاعة حتى أصيب بسهم في جبهته أدى إلى وفاته ، ودفن ليلا خوفا على نبشه ، لكن بعد أيام نبش وصلب عريانا ثم أحرقت جثته .

         وبعد مقتل الإمام زيد، خرج ابنه يحيى في أيام الخليفة الأموي الوليد بن يزيد بن عبد الملك فقتل في خراسان سنة (125ﻫ ) وصلب ، وفوض الأمر بعد يحيى إلى محمد وإبراهيم ابني عبدالله بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وخرجا في زمن أبي جعفر المنصور، فقتل كلاهما في سنة (145ﻫ )  وبعث برأسهما إلى المنصور.

         وتعددت الحركات الزيدية ، ولكنها فشلت جميعا حتى ظهر بخراسان الإمام الناصر الحسن بن علي (ت 304ﻫ )  من نسل الحسين والمعروف بالأطروش ، ثم اعتزل إلى بلاد الديلم، والري، وطبرستان، فدعا الناس دعوة الإسلام على مذهب الزيدية ، وبقيت الزيدية في تلك البلاد ظاهرين ، ثم انتقل المذهب الزيدي إلى اليمن على يد الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ت 298ﻫ ) وقد بايعه أهل اليمن عام (284ﻫ ) وأخذ يحارب التشيع الغالي ومذهب القرامطة، ومنذ ذلك الحين تركزت الزيدية في أرض اليمن .

       وفي بداية القرن العشرين استطاعت الزيدية في اليمن استرداد السلطة من الأتراك، إذ قاد الإمام المنصور الزيدي(ت 1904م)ثورة ضد الأتراك وأسس دولة زيدية استمرت حتى عام(1962م) إذقامت الثورة اليمنية وانتهى بذلك حكم الزيود ولكن مازال اليمن معقل الزيود ومركز ثقلهم .

                    الآراء الكلامية والسياسية للزيدية

        تعد الزيدية أقرب فرق الشيعة إلى أهل السنة، إذ يتصف مذهبهم بالابتعاد عن تطرف باقي فرق الشيعة وغلوهم، لاسيما في القضايا المتعلقة بالإمامة، كما أنهم يوافقون المعتزلة في كثير من المسائل المتفرعة من أصل العدل والتوحيد، في حين يخالفونهم في مسائل أخرى ، وفيما يأتي نشير إلى أهم آرائهم الكلامية والسياسية :

      1ـ تقوم الإمامة على مراعاة مصلحة الإسلام والمسلمين، وشرط الأفضلية، فعلى هذا يجوز إمامة المفضول مع وجود الأفضل ، فالإمام علي أفضل المسلمين بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) لكن مصلحة الإسلام استلزمت تولية الإمامة لمن دونه في الفضل .

     2ـ الأفضل في الإمام أن يكون فاطميا، عالما، شجاعا، زاهدا، سخيا، داعيا لنفسه، سواء  كان من أولاد الحسن أو الحسين .

   3ـ جواز خروج إمامين في قطرين يستجمعان هذه الخصال : هي أن يكون فاطميا،عالما،  زاهدا، شجاعا، سخيا، يخرج بالإمامة، ويكون كل واحد منهما واجب الطاعة .

   4ـ أنكر الإمام زيد مبدأ النص والتعيين ، وعصمة الأئمة، وفكرة التقية،والرجعة، وظهور المعجزات على أيدي الأئمة ، مع ذلك فقد قال بعض المتاخرين من الزيدية بعصمة الإمام علي وزوجته فاطمة الزهراء، والحسن والحسين .

    5ـ الإيمان والعمل متلازمان، وهذا لا يعني أن مرتكب الكبيرة  يذهب عنه اسم الإيمان، أو  اسم الإسلام، بل يعذب حينا من الدهر ثم مرده إلى الجنة .

    6ـ إن العقل يحسن ويقبح ويصل إلى ما في الأشياء من حسن وقبح، لكن مناط التكليف هو السمع ، وقد يكون العقل مناط التكليف في الأحوال التي لا يجد طريقا شرعيا لاستنباط الحكم .

   7ـ وجوب الإيمان بالقضاء والقدر، مع اعتبار الانسان حرا مختارا في طاعة الله وعصيانه.

   8ـ مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل من اصول الإسلام .

   9ـ رفض التصوف رفضا قاطعا

  10ـ رفض القول بوجوب الأصلح على الله تعالى

  11ـ وجوب الخروج على الإمام الجائر والفاسق                                       

       وتفرعت من الزيدية عدة فرق، أشهرها :الجارودية نسبة إلى مؤسسها أبي الجارود(ت بعد 150ﻫ )وقد انحرفت هذه الفرقة عن الخط الزيدي المعتدل، ومالت إلى آراء الإمامية في النص والتعيين والتقية وعصمة الأئمة وغير ذلك.

 

الفقه الـزيدي

        قد أثر عن الإمام زيد فقه عظيم، تلقته الزيدية في كل الأقاليم الإسلامية، وفرعوا عليه وخرجوا واختاروا من غير ما تلقوا، واجتهدوا ومزجوا ذلك كله بالمأثور عن فقه الإمام زيد وتكونت بذلك مجموعة فقهية .

        تتمثل أصول الاستدلال والاستنباط عند الزيدية في القرآن الكريم، والسنة النبوية والإجماع(عام وخاص ) والقياس، والاستحسان، والمصلحة المرسلة، والاستصحاب، ودليل العقل

       والجدير بالذكر أن الفقه الزيدي يعد فقها ناميا، متسعا، يجد في رحابه كل مذهب من مذاهب أهل الإسلام مستقرا، وهذا يعود إلى أسباب،منها:

      ـ فتح باب الاجتهاد في المذهب الزيدي، إذلم يغلق فيه وقتا من الأوقات .

      ـ وجود أئمة مجتهدين، مشهورين، متبعين  في كل عصر من العصور  .

      ـ فتح باب الاختيار من المذاهب الإسلامية الأخرى .

       ـ وجود المذهب في عدة أماكن مختلفة متنائية الأطراف، متباعدة ، فيحمل من أهل كل بلد عرفه، وعاداته، وتقاليده، وأفكاره .

         ومن أشهر أئمة الزيدية ومجتهديهم :القاسم بن إبراهيم الرسي(ت242ﻫ ) أحمد بن عيسى بن زيد (ت 247ﻫ ) الهادي إلى الحق (ت 298ﻫ) ناصر الأطروش (ت 304ﻫ ) المؤيد بالله(ت 411ﻫ ) المنصور بالله(ت 614ﻫ ) ابن المرتضى أحمد بن يحيى (ت 840ﻫ ) وغيرهم .

        وقد ظهر من بينهم علماء فطاحل، قد خلعوا ربقة التقليد، وتحلوا بمنصب الاجتهاد وتمسكوا بعقيدة السلف كابن الوزير اليماني (ت 840ﻫ ) والأمير الصنعاني (ت 1182ﻫ) والشوكاني (ت 1250ﻫ ) وآخرين .

    ومن أشهر مصادرهم الفقهية : المجموع الفقهي أو المجموع الكبير المنسوب إلى الإمام زيد، وشرحه : الروض النضير لشرف الدين ابن الحيمي اليمني (ت 1221ﻫ ) وكتاب الأزهار وشرحه البحر الزخار لابن المرتضى .

                          

3ـ الشيعة الإسماعيلية :

        انتسبت هذه الفرقة من الشيعة إلى الإمام إسماعيل ، الإبن الأكبر للإمام جعفر الصادق  وقد وافقوا الإمامية في الأئمة الستة الأولى ( الإمام علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد الباقر وجعفر الصادق) وخالفوهم في الإمام السابع ، إذقالوا بإمامة إسماعيل بالنص من أبيه جعفر ، ومن ثم اختتموا سلسلة الأئمة الظاهرين به ، لذلك يسمون بالسبعية .

       وهناك شبه إجماع بين المؤرخين على أن إسماعيل مات في حياة أبيه جعفر الصادق ، لذلك ساقت الإمامية الإمامة من جعفر الصادق إلى ابنه الأصغر موسى الكاظم .

       وللإسماعيلية آراء في موت الإمام إسماعيل:

       ـ إنه لم يمت في حياة أبيه، وإنما أظهر جعفر الصادق موته تقية عليه ، حتى لا يقصده أبو جعفر المنصور بالقتل .

    ـ إن الله غيبه عن الأبصارفي حياة أبيه ، وإنه لا يموت حتى يملك الأرض ، ويقوم بأمور الناس   وإنه هو المهدي القائم .

  ـ إنه مات في حياة أبيه ، أما فائدة النص عليه فتتمثل في انتقال الإمامة منه إلى أولاده خاصة ، كما نص موسى (عليه السلام ) على هارون ، ثم مات هارون في حياة أخيه فانتقلت الوصاية بعد موت موسى إلى أولاد هارون، ولا تنتقل الإمامة من أخ إلى أخ بعد الحسن والحسين ، ولا تكون إلا في الأعقاب ، وعلى هذا فالإمام بعد إسماعيل هو ابنه محمد الملقب بالمكتوم .

     سميت هذه الفرقة بالإسماعيلية كما قلنا نسبة إلى إسماعيل بن جعفر الصادق ، وسميت أيضا بالباطنية لقولهم بأن جميع ما استعبدالله به العباد في الظاهر من الكتاب والسنة هي أمثال مضروبة   وتحتها معان هي بطونها ، وأن هذه البطون هي التي عليها العمل وفيها النجاة ، وأما الظواهر ففي استعمالها الهلاك والشقاء . ويرى ابن خلدون أن تسمية هؤلاء بالباطنية نسبة إلى قولهم بالإمام الباطن أي المستور .

     ومن أسمائهم: السبعية، لاعتقادهم باختتام سلسلة الأئمة الظاهرين بالإمام السابع إسماعيل بن جعفر ، كذلك سماهم البعض بالتعليمية لأن مبدأ مذاهبهم إبطال الرأي وإبطال تصرف العقول ، ودعوة الخلق إلى التعليم من الإمام المعصوم .

      بدأ انتشار الدعوة الإسماعيلية في منتصف القرن الثاني الهجري على يدي الدعاة ، أمثال : ميمون القداح ،وابنه عبدالله القداح، والمبارك الكوفي، وقاموا بالدعوة إلى إمامة محمد بن  إسماعيل أول الأئمة المستورين ، وبلغت الدعوة أوج انتشارها في زمن الدولة الفاطمية في مصر وشمال افريقيا.

     استطاعت هذه الفرقة عن طريق الدعوة والثورات الداخلية أن تهز أركان الدولة العباسية وتؤسس إمارات ودويلات مستقلة كالدولة الفاطمية التي بسطت نفوذها على مصر والمغرب والحجاز واليمن وأحيانا سوريا ولبنان منذ أوائل القرن الرابع الهجري إلى أن زالت دولتهم في حدود سنة (567ﻫ) على يدي صلاح الدين الأيوبي .

     كذلك أنشأت مجموعة من أتباع الإسماعيلية دولة القرامطة في البحرين في أواخر القرن الثالث الهجري ، وسيطروا على كثير من البلاد الإسلامية ، واستولوا على مكة سنة 319ﻫ)  ونقلوا منها الحجر الأسود ، ثم ردوه بعد اثنتين وعشرين سنة ، واستمروا في القتل والنهب والدمار والفوضى داخل الدولة الإسلامية لمدة قرن .

      وفي أواخر القرن الخامس الهجري أنشأت فرقة النزارية من الإسماعيلية دويلة مستقلة في الشمال الغربي من قزوين واستولوا على قلعة ألموت، وأسسوا فيها جماعة الفدائيين ، ودربوهم على الإرهاب والاغتيالات بأساليب متنوعة ، واستمر حكمهم إلى زمن هجمات المغول وسقوط بغداد .

   ويرى بعض المؤرخين أن ثورة الزنوج التي ظهرت في البصرة سنة (255ﻫ ) قد نظمتها الإسماعيلية.

   ويبدو أن نجاح الدعوة الإسماعيلية بين المد السني والشيعي الإمامي آنذاك يعود إلى أسباب عديدة ، منها :

   الدعوة إلى الإطاحة بالحكم العباسي ، وقيام دولة على أساس العدل والإخاء والمساواة .

   اعتبار ثروة الدولة ملكا للجميع ، والدعوة إلى توزيعها بين الناس توزيعا عادلا ، بقطع النظر عن الخلاف في الجنسية أوالطبقة أو الدين .

   مخاطبة الأمم والمذاهب والطبقات باللغة والأغراض التي تناسبها .

   الدعوة إلى التقريب بين المذاهب والأديان ، أو في عبارة بعض الباحثين الدعوة إلى وحدة الأديان ، وقد نقل عن بعض طوائف الإسماعيلية أنهم أعلنوا للزرادشتيين أن عليا هو زرادشت ، وللمانوية أنه ماني ، وللمزدكية أنه مزدك ، ولليهودأنه موسى ، وللمسيحيين أنه عيسى، وللمسلمين أنه محمد ، فعلي هو مظهر حلول هؤلاء جميعا .

     اتصاف دعوتهم ابتداء بالسرية التامة والكتمان ، كما أن ترتيبهم الدعوة إلى مذهبهم ترتيب محكم على حسب استعداد الناس ، فللجماهير تعاليم وللخاصة تعاليم ولخاصة الخاصة تعاليم ، ولايعلم الأدنى تعاليم الأعلى ، فهم رتبوا الدعوات بحسب الاستعدادات ، ولا يعلم أسرار الحمعية إلا رؤساؤها وزعماؤها القليلون.

     مع كل ذلك فإن التعرف على الفكر الإسماعيلي، والوصول إلى حقيقة مذهبهم، أمر عسير جدا ، لأن الإسماعيلية في أول الأمر بدأت كفرقة شيعية معتدلة ، ثم تطورت ومزجت بين مذاهب دينية مختلفة وآراء سياسية واجتماعية ومباديء فلسفية وعلمية متنوعة ، وبهذا جمعت بين تناقضات متعددة .

    ومن أهم آرائهم الفكرية والعقائدية :

    تؤمن الإسماعيلية بوجود إله واحد ، وينزهونه عن النفي والإثبات ، وفي نظرهم أن الله لا يوصف بصفات المخلوقين ولا يقال عليه ما يقال على المخلوقين .

    الإيمان تصديق بالجنان وقول باللسان وعمل بالأركان، وهو يزيد وينقص. 

     الإمام هو محور الدعوة الإسماعيلية ، وقالوا بأن الأرض لا تخلو من إمام ظاهر مكشوف أو باطن مستور ، فإن كان الإمام ظاهرا جاز أن يكون حجته مستورا ، وإن كان الإمام مستورا فلابد أن تكون حجته ودعاته ظاهرين .

   إطاعة الإمام في مستوى إطاعة الله ورسوله لقوله تعالى (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) .

   وجوب دفع الخمس من المكسوب إلى الأئمة .

   لذات الجنة معنوية لا حسية .

   لكل أمر ظاهر وباطن ، ولكل تنزيل ظاهر وباطن ، وعليه فإن للقرآن ظاهرا وباطنا ، ظاهره هو المأخوذ من اللغة ، من تمسك به وقع في مشقة الاكتساب ، أما باطنه فهو على العكس يؤدي إلى ترك الظاهر تماما .

    8 ـ القول بالعصمة والتقية

   يقول بعض غلاتهم بالتناسخ والإباحة المطلقة واستحلال المحظورات ، لكن علماء الإسماعيلية رفضوا هذه الأقوال رفضا تاما وأخرجوا أصحابها من مذهبهم وكفروهم .

    ومن أشهر علماء الإسماعيلية :أبو حاتم الرازي (ت322ﻫ)صاحب كتاب ( أعلام النبوة) واحتوى بعض صفحاته مناظرة بينه وبين محمد بن زكريا الرازي الملحد حول ضرورة النبوة .

     وكذلك من علمائهم :أبو يعقوب السجستاني (ت بعد 360ﻫ )وحميد الدين الكرماني (ت بعد412ﻫ )صاحب كتاب (راحة العقل ) وهبة الله الشيرازي (ت470ﻫ ) وناصر خسرو (ت481ﻫ) صاحب كتاب (سفرنامه) .

     إلا أن من أغزر مؤلفي الإسماعيلية إنتاجا، القاضي النعمان بن محمد التميمي (ت 363ﻫ) له أكثر من خمسين مصنفا في التفسير والفقه والأخبار والعقائد ورد المخالفين .

     واليوم بالرغم من أن هذه الفرقة قد فقدت نفوذها وبريقها وسيطرتها التي كانت تتمتع بها من قبل ، إلا أنها ما زالت منتشرة في بعض مناطق العالم ، خاصة في الباكستان والهند وسورية وآسيا الوسطى   

 

      

4ـ الغلاة أو الشيعة الغالية:

تعريف الغلاة: أصل الغلاة من الغلو، وهو في اللغة تجاوز الحد ومجاوزة القدرفي كل شيء، يقال: غلا الرجل في الأمر إذا تجاوزحدّه، وغلا السعر إذاارتفع وتجاوز الحد المألوف،وكذلك غلا في الدين، إذا جاوز حده وأفرط فيه، وفي القرآن الكريم :   ﭽ ﭑ              ﭼ المائدة: ٧٧ . وفي الحديث الشريف: ((إياكم والغلوفي الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين)) .

أما في الاصطلاح فقد أطلق كتاب الفرق والمؤرخون اسم الغلاة على فرق شيعية غلوا في حق أئمتهم،وأخرجوهم من حدود البشرية، ونسبوهم إلى الألوهية والنبوة، قال الشهرستاني في تعريفهم: (هم الذين غلوا في حق أئمتهم حتى أخرجوهم من حدود الخلقية، وحكموا فيهم بأحكام الإلهية، فربما شبهوا واحدا من الأئمة بالإله، وربما شبهوا الإله بالخلق، وهم على طرفي الغلو والتقصير).

وقال العالم الشيعي الشيخ المفيد: (الغلاة المتظاهرون بالإسلام هم الذين نسبوا أميرالمؤمنين والأئمة من ذريته عليهم السلام إلى الألوهية والنبوة، ووصفوهم من الفضل في الدين والدنيا إلى ما تجاوزوا فيه الحد، وخرجوا عن القصد، وهم ضلال كفار )

وقال ابن خلدون: (ومنهم ـ أي الشيعة ـ طوائف يسمون الغلاة تجاوزوا حد العقل والإيمان في القول بألوهية هولاء الأئمة، إما على أنهم بشر اتصفوا بصفات الألوهية،أو أن الإله حل في ذاتهم البشرية ).

ويمكن القول إن الغلو في الدين كنزعة منحرفة واتجاه فكري مذموم كان موجودا في صفوف معظم الفرق كالخوارج والمعتزلة والشيعة والحشوية والصوفية، لكن غلو بعض فرق الشيعة تجاوز العقل والمنطق وبلغ الحد النهائي من التشويه والمس بأساسيات الدين الإسلامي وثوابته، لذلك إذا أطلق اسم الغلاة فإنه يراد به غلاة الشيعة لا غيرهم .

الفرق الشيعية الغالية: من أهم الفرق الشيعية الغالية :

1ـ السبئية: هم أتباع عبدالله بن سبأ(ت نحوسنة 40ﻫ ).

2ـ المغيرية :هم أتباع المغيرة بن سعيد العجلي أو البجلي (ت 119ﻫ).

3ـ البيانية: هم أتباع بيان بن سمعان التميمي (ت 119ﻫ) .

4ـ الجناحية: هم أتباع عبدالله بن معاوية بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب (ت129ﻫ)

5ـ الخطابية: هم أتباع أبو الخطاب الأسدي(ت138ﻫ)

6ـ الرزامية: هم أتباع رزام بن رزم (ت بعد سنة130ﻫ)

7ـ المنصورية: هم أتباع أبو منصور العجلي (ت121ﻫ)

8ـ الحربية: هم أتباع عبدالله بن عمرو بن حرب

9ـ النصيرية: هم أتباع محمد بن نصير النميري

10ـ العلبائية: هم أتباع العلباء بن ذراع السدوسي

أفكار الغلاة: تضم فرق الغلاة دوائر فكرية مختلفة ومتنوعة، تعكس صورا من الآراء والأفكار القديمة التي اصطدم بها الإسلام في الأراضي المفتوحة، ويمكن حصر أهم تلك الآراء والأفكار فيما يأتي:

الأول ـ فكرة الحلول والتجسيد الإلهي: هذه الفكرة مخالفة تماما لقاعدة الوحدانية التي قام عليها الإسلام، واستمدها فرق الغلاة من الغنوصية المسيحية والوثنية الفارسية.

 ففي رأي الكثير من الباحثين أن عبدالله بن سبأ كان أول من نادى بهذه الفكرة، وقال: إن عليا هو الإله بالحقيقة. كذلك زعمت الجناحية أن روح الله تحل في الأنبياء والأئمة، وقالوا: إن روح الله جل اسمه كانت في آدم، ثم تناسخت حتى صارت في عبدالله بن معاوية.وزعمت البيانية أن جزءا إلهيا حل في علي واتحد بجسده ، وبه كان يعلم الغيب. وقالت العليائية: إن الله حل في خمسة أشخاص وهم أصحاب الكساء: النبـي وعلي والحسن والحسين وفاطمة.  وزعمت الخطابية أن جعفر الصادق هو الإله في زمانه، وليس هو المحسوس الذي يراه الناس، بل لبس تلك الصورة لما نزل إلى هذا العالم، فرآه الناس فيها.

الثاني ـ فكرة التشبيه والتجسيم: هذه الفكرة كانت منتشرة في أوساط الغلاة والحشوية من أهل الحديث، زعم بيان بن سمعان رأس البيانية أن معبوده على صورة انسان عضوا فعضوا وجزءا فجزءا. وقال المغيرة بن سعيد العجلي : إن الله في صورة رجل من نور، على رأسه تاج من نور وله قلب تنبع منه الحكمة. وادعى أبو منصور العجلي أنه عرج به إلى السماء ورأى معبوده، فمسح بيده رأسه، وقال له: انزل يا بني وبلغ عني، ثم اهبطه إلى الأرض.وقال بعضهم : إن الله سبعة أشبار بشبرنفسه.

الثالث ـ فكرة التأويلات الفاسدة للنصوص: لجأ أكثر الفرق الغالية إلى التأويلات الفاسدة والبعيدة لنصوص القرآن والسنة النبوية، منها استحلال الميتة والدم ولحم الخنزير والخمر والميسر وغيرها، على ما زعمته الجناحية    وذلك  لقوله تعالى:                                    ﭼ المائدة: ٩٣   ورأى بعض أتباع الخطابية أن الجنة هي ما يصيب الناس من الخير والنعمة والعافية في الدنيا، وأن النار ما يصيب الناس من خلاف ذلك .ورأى بيان بن سمعان أن الله يهلك كله إلا وجهه لما ورد في القرآن الكريم:              ﭼ القصص: ٨٨ . ﭽ              ﭼ الرحمن: ٢٧.                          وقال آخرون :إن الله على صورة رجل نوراني رباني لورود الخبر: ((إن الله خلق آدم على صورته)) . وزعمت البيانية أن بيان بن سمعان نبـي من عند الله لقوله تعالى:           ﭼ آل عمران: ١٣٨ .                                                                                               وفي رأي آخر للجناحية أن العرفة إذاحصلت لم يبق شيء من الطاعات واجبة لقوله تعالى:                 ﭼ الحجر: ٩٩ .  

الرابع ـ فكرة التناسخ: هذه الفكرة كانت من تعاليم السمنية والبراهمة والمزدكية وبعض فلاسفة اليونان، وتمسكت بها فرق الغلاة لإبطال القيامة والحشر والنشر والحساب، وملخص الفكرة: لا دار إلا الدنيا، وأن القيامة إنما هي خروج الروح من بدن ودخوله في بدن آخر غيره، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، وإنهم مسرورون في هذه الأبدان أو معذبون فيها،فالجنة بالنسبة للصالحين هي دخول أ رواحهم في الأجسام الحسنة الأنسية المنعّمة في الدنيا، والنار بالنسبة للطالحين هي دخول أرواحهم في الأجسام الردية المشوهة من كلاب وقردة وخنازير وحيات وعقارب وجعلانٍ، فهم منعمون ومعذبون فيها هكذا أبد الآبدين ، فهي جنتهم ونارهم ، لاقيامة ولا بعث ولا جنة ولانار

الخامس ـ فكرة النبوة المستمرة: ظهرت في دوائر الغلاة هذه الفكرة،التي مفادها أن النبوة فيض دائم وسلسلة دورية لا تنقطع، وأن الانبياء لا ينقطعون، وأن كل حلقة في هذه السلسلة تكون أبهى من التي سبقتها ، وأعلى درجة وكمالا منها، وقال بهذه الفكرة الجناحية والمنصورية وغلاة الإسماعيلية وغيرهم.

السادس ـ فكرة الموت الظاهري: أول من قال بهذه الفكرة في الإسلام في نظر الكثير من الباحثين هو عبدالله بن سبأ الذي قال بعد مقتل علي : إن المقتول لم يكن عليا، وإنما كان شيطانا تصور للناس في صورة علي، وإن عليا صعد إلى السماء كما صعد إليها عيسى بن مريم. وقال في موضع آخر: كما كذبت اليهود والنصارى في دعواها قتل عيسى، كذلك كذبت الخوارج والنواصب في دعواها قتل علي، وإنما رأت اليهود والنصارى شخصا مصلوبا شبهوه بعيسى، كذلك القائلون بقتل علي رأوا قتيلا يشبه عليا، فظنوه أنه علي.

وفرقة من الرزامية الذين أفرطوا في موالاة أبي مسلم الخراساني قالوابعد مقتله: المقتول كان شيطانا تصور بصورة أبي مسلم. كذلك قالت فئة من الخطابية بعد مقتل زعيمهم:إن أبا الخطاب لم يقتل ولا قتل أحد من أصحابه وإنما لبس على القوم وشبه لهم .

السابع ـ فكرة الرجعة: القول برجعة الأئمة بعد موتهم أو بعد اختفائهم كان مذهب الشيعة عموما، باستثناء الزيدية، فالإمامية قالت باختفاء الإمام الثاني عشر ورجعته في آخر الزمان.و قال بعض الإسماعيلية برجعة الإمام السابع إسماعيل بن جعفر الصادق، ومنهم قال برجعة الإمام محمد بن إسماعيل. وزعمت المختارية أن المختار الثقفي لم يمت، وأنه يعود بعد الغيبة فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، ورأت الحربية أن إمامهم عبدالله بن عمرو حي لم يمت ويرجع.

الثامن ـ فكرة الإلحاد والإباحية: استقت فرق الغلاة هذه الفكرة من المزدكية، فالمعمرية من الخطابية استحلوا الخمر والزنا وسائر المحرمات، ودانوا بترك الصلاة والزكاة والصيام والحج. وصرحت المنصورية بإباحة الزنا واللواطة، وأجازوا نكاح الأمهات والبنات والأخوات، وقال بعضهم: من عرف الإمام فليصنع ما شاء فلا إثم عليه.

التاسع ـ فكرة تقديس الأعداد: استمد بعض الغلاة فكرة تقديس الأعداد من فلسفة الفيثاغوريين، فمثلا للرقم سبعة عند الإسماعيلية وبعض الغلاة كالمنصورية والمغيرية صفة مقدسة، وقد جعلت الإسماعيلية النظام الكوني والحوادث التأريخية أمرا مرتبا على هذا العدد. وزعمت المنصورية أن النبوة تولاها سبعة أنبياء من قريش وسبعة من بني عجل.                 

            

ثالثا: المعتزلة:

تعريف المعتزلة: أصل الاعتزال في اللغة من اعتزل الشيء وتعزله بمعنى تنحى عنه، ويقال: اعتزلت القوم، أي فارقتهم وتنحيت عنهم، أما في الاصطلاح فالمعتزلة اسم يطلق على أول مدرسة كلامية فكرية في الإسلام، أوجدت الأصول العقلية للعقائد الإسلامية، وجابهت التحديات الدينية التي لقيها الإسلام من قبل أتباع الملل والديانات الأخرى من يهود، ونصارى، ومانويين، وزرادشتيين، وصابئة، ومجوس، ودهرية، وزنادقة.

نشأت هذه المدرسة في البصرة في نهاية القرن الأول الهجري، واستطاعت أن تكون جماعة مترابطة تتعاون على الدعوة إلى الإسلام، والدفاع عنه، والوقوف بوجه الملاحدة والمشككين والمخالفين. وكان لها دور كبير في تأريخ الفكر الإسلامي طيلة القرون الثاني والثالث والرابع الهجري، ولها الفضل في تأسيس القواعد الفكرية التي قام عليها فيما بعد علم الكلام السني، وبعض الاتجاهات الفلسفية في الإسلام.

مع ذلك فإن أغلب الكتب والمصادر التي يستقي منها الباحثون معلوماتهم عن المعتزلة، كانت من تأليفات خصومهم، وهؤلاء كانوا متعصبين عليهم وغير منصفين لهم، تحاملوا عليهم، واتهموهم بأنواع التهم، ووصفوهم بأسماء وألقاب غير لائقة بهم، ولم يذكروهم إلا مع التقبيح والتشنيع، فأعطونا عنهم فكرة سيئة وصورة مشوهة، فبقي المعتزلة محرومين من التقدير،  مفتقرين إلى من  يظهر حقيقتهم، ويعطيهم المكانة اللائقة بهم في التأريخ.

ومنذ أوائل القرن المنصرم حتى الآن طبع بعض مؤلفات المعتزلة، يمكن للباحث في شأن الاعتزال أن يعتمد  عليها ويرجع إليها للتعرف على روح الاعتزال وحقيقة مذهب المعتزلة ، منها:

  الانتصار والرد على ابن الراوندي الملحد  لأبي الحسين الخياط (ت نحو300ﻫ )

  النكت في إعجاز القرآن  لأبي الحسن الرمّاني (ت 384ﻫ ).

 المغني في أبواب التوحيد والعدل  للقاضي عبدالجبار الهمداني(ت415ﻫ).

4ـ شرح الأصول الخمسة  للقاضي عبدالجبار الهمداني(ت415ﻫ).

5ـ تثبيت دلائل النبوة   للقاضي عبدالجبار الهمداني(ت415ﻫ).

تنزيه القرآن عن المطاعن  للقاضي عبدالجبار الهمداني(ت415ﻫ).

 متشابه القرآن   للقاضي عبدالجبار الهمداني(ت415ﻫ).

8ـ طبقات المعتزلة   للقاضي عبدالجبار الهمداني(ت415ﻫ).

  العمد في أصول الفقه  للقاضي عبدالجبار الهمداني(ت415ﻫ).

10ـ  المعتمد في أصول الفقه   لأبي الحسين البصري (ت436ﻫ).

11ـ  ديوان الأصول  لأبي رشيد النيسابوري ( ت نحو440ﻫ )

12- المسائل في الخلاف بين البصريين والبغداديين لأبي رشيد النيسابوري (ت نحو440ﻫ ).

     13ـ  تفسير الكشاف للزمخشري (538ﻫ ).

هذا بالإضافة إلى المؤلفات الأدبية واللغوية للجاحظ (ت 255ﻫ )  والرمّاني (ت384ﻫ ) وابن جني ( ت 392ﻫ) ومؤلفات بعض المتقدمين من علماء الزيدية والإمامية الذين كانوا لهم ميول اعتزالية.

ويشير المستشرق الألماني(كارل بروكلمان) في كتابه( تأريخ الأدب العربي ) إلى عشرات المخطوطات لعلماء المعتزلة في مكتبات اليمن والهند واستانبول وفاتيكان وبرلين وهي بحاجة إلى من يحققها وينشرها.

تعليقات

المشاركات الشائعة