حديث (افتراق الأمة)

    ورد حديث ( افتراق الأمة) من عدة طرق بألفاظ مختلفة عن جماعة من الصحابة، أشهرها عن  أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم): " افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ".

تخريج الحديث

    الحديث أخرجه أبو داود في سننه، والترمذي في سننه، وابن ماجه في سننه، وأحمد في مسنده، والبيهقي في السنن الكبرى، والحاكم في المستدرك، وأبو يعلى في مسنده، وغيرهم عن طريق محمد بن عمرو الليثي عن أبي سلمة عن أبي هريرة.

    وتكلم العلماء في (محمد بن عمرو الليثي) وهو لا يحتج بحديثه عند البخاري ومسلم إذا لم يتابع، وقال ابن حبان: كان يخطيء، وقال آخرون كما نقله ابن عدي: إنه ليس بقوي الحديث، في حين وثقه علماء آخرون.

     مع ذلك فقد عدّ أكثر العلماء حديث الافتراق صحيحا، لوجود شواهد كثيرة، وقد وردت من عدة طرق بألفاظ مختلفة ، عن سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمرو، وأنس بن مالك، وعوف بن مالك، وأبي أمامة، ومعاوية بن أبي سفيان، وغيرهم.

     وعند أكثرهم ورد الحديث بزيادة ( كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة، أو السواد الأعظم، أو ما عليه أنا وأصحابي، أو ما أنا عليه اليوم وأصحابي، أو بلفظ: كلها ضالة إلا فرقة واحدة...........) .

   لذلك قال الترمذي: حديث أبي هريرة حسن صحيح، وقال أحمد: إسناده حسن.

 


 

ملاحظات

   الأولى: معظم تلك الشواهد كانت أسانيدها محل كلام، ففيها مجاهيل و رواة ضعفاء، كعبد الرحمن بن زياد بن أنعم، وكثير بن عبدالله، وعباد بن يوسف، وراشد بن سعد، والوليد بن مسلم وغيرهم، وإذا كان الشاهد ضعيفا فلا يلتفت إليه.

   الثانية: وجود اختلافات كثيرة في متون الشواهد ، خاصة الزيادة المشار إليها، لذلك قال ابن الوزير اليماني في كتابه ( العواصم القواصم في الذب عن سنة أبي القاسم): إياك أن تغتر بزيادة كلها في النار إلا واحدة، فإنها زيادة فاسدة، ولا يبعد أن تكون من دسيس الملاحدة.

    الثالثة: بحسب بعض الروايات كالتي ذكرها أبو نعيم في ( حلية الأولياء) والمتقي الهندي في  ( كنز العمال) ومعظم الشيعة، كان الحديث موقوفا على الإمام علي بن أبي طالب( رضي الله عنه)  

    الرابعة: رويت الزيادة بوجه آخر وهو: ( كلها في الجنة إلا واحدة) ، وقد صرح بعض العلماء بوضع هذه الرواية، في حين قبلها آخرون، كالع.  جلوني الذي قال: المراد بأهل الجنة في هذه الرواية ولو مآلا، وقال شمس الدين المقدسي: الأول أشهر، لكن هذا أصح إسنادا، وسكت عليه ابن حجر في شرحه لمسند الفردوس.      

   الخامسة: لم يلتفت إلى حديث افتراق الأمة كل من ابن حزم في كتابه ( الفصل في الملل والاهواء والنحل) وفخر الدين الرازي في ( اعتقادات فرق المسلمين والمشركين).

   ونقل عن ابن حزم في بعض رسائله القول بصحة الحديث بدون زيادة( كلها في النار إلا واحدة) وكان يرى الزيادة من قبيل خطأ الرواة، أو وهمهم، أو أدرج في الحديث كلام بعض الرواة، وظن فيه أنه من كلام الرسول (صلى الله عليه وسلم).


 

آراء العلماء في معنى حديث افتراق الأمة

   تمسك معظم المحدثين وعلماء الكلام بحديث افتراق الأمة، ولكنهم اختلفوا في بيان معنى الحديث ودلالته، وأتوا بتاويلات كثيرة، منها:

   المراد بالأمة في الحديث، أمة الإجابة، والعدد المذكور هو المقصود حقيقة، والفرقة الناجية هي أهل السنة والجماعة من أهل الحديث، والأشاعرة، والماتريدية، أما الفرق الهالكة، فهي الفرق الضالة، كالخوارج والشيعة والمعتزلة والمرجئة وغيرهم. ومن مقدمة القائلين بهذا الرأي : أبو منصور البغدادي، والشهرستاني، والأسفرايني، وعضد الدين الإيجي، وبعض شراح الحديث.

   الفرقة الناجية هي الشيعة دون غيرهم ، وهذا مذهب أكثر علماء الشيعة.

  الفرقة الناجية هي أهل السنة والجماعة، أما الهالكة فهي الفرق المبتدعة والضالة من أهل الكلام والفلاسفة ومن على شاكلتهم، وهذا رأي أكثر السلفيين في الحاضر.

  ليس المراد بالعدد المذكور حقيقته، بل يقصد به التكثير والمبالغة، وكذلك آخر الحديث ( كلها في النار إلا واحدة) مجاز، أي يقصد به التخويف.

  الجمع بين الروايتين: ( كلها في النار إلا واحدة) و (كلها في الجنة إلا واحدة) بحمل الرواية الأولى على الابتداء، والثانية على الانتهاء، وهذا رأي بعض المحدثين، منهم العجلوني.

   المراد بالأمة في الحديث، أمة الدعوة لا الإجابة، وعلى هذا فإن الفرقة الناجية هي جميع المسلمين على اختلاف فرقهم ومذاهبهم، أما الهالكة فهي الأفكار الباطلة، والأديان الخارجة عن ملة الإسلام. نسب هذا الراي إلى بعض المتقدمين، وأيده الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي.

  قد ورد حديث افتراق الأمة في وصف أحوال الناس في آخر الزمان، وهذا زمان كثرة الهالكين وقلة الناجين كما في الروايات المشهورة، ومنها أحاديث الغرباء، وقد دلت أوصافهم بأنهم هم الفرقة الناجية في ذلك الزمان، قال بهذا الرأي الإمام الصنعاني في بعض رسائله.

النتيجة

   وقد علم فيما تقدم أن الحديث المذكور مع كونه محل بحث ونظر من حيث السند والمتن، فقد كان خاضعا لتأويلات شتى أيضا، وإذا وجد نص بهذه الصفة فلا يمكن الاعتماد عليه في قضايا التكفير والتضليل والتصريح بدخول الجنة أو النار، لأن تلك القضايا خطرة جدا، ولا تثبت إلا بدليل قطعي، وقد حذر الكثير من العلماء من الحكم بتكفير المسلم، وسلب الإيمان منه، والتصريح بدخوله النار، استنادا إلى أحاديث واردة في هذا الصدد، منها قول النبـي ( صلى الله عليه وسلم) : [ مَنْ قَالَ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا][1] وقوله (صلى الله عليه وسلم): [ لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ].

   ومن الآثار المشهورة لدى علماء الحنفية: إذا كان في المسألة وجوه توجب التكفير، ووجه واحد يمنعه، فعلى المفتي أن يميل إلى الوجه الذي يمنع التكفير، تحسينا للظن بالمسلم.

   وقال إمام الحرمين: إدخال كافر في الملة الإسلامية، أو إخراج مسلم عنها، عظيم في الدين .

   فعلى هذا الأساس يمكن التعامل مع الفرق المتعددة المنتمية إلى الإسلام ، دون أن نكفر أحدا يشهد بالشهادتين، ويؤدي الفرائض، ويجتنب المحرمات، وأن الفرق الأساسية التي سنتحدث عنها، منسوبة إلى الإسلام، داخلة في الملة، لذلك تسمى الفرق الإسلامية.  

      

تعليقات

المشاركات الشائعة